حسن بيشلفن : العيون
أصدرت مؤخراً الكاتبة “حبيبة عبو” كتاباً مهمّاً في مجال التربية الدامجة، و الذي اختارت له عنوان : “التربية الدامجة و رهان الإنصاف نحو ممارسة صفية دامجة و ناجعة” . إذ شهدت أروقة المعرض الدولي للكتاب بالرباط، الأسبوع الماضي، حفل توقيع هذا الكتاب، بحضور الفاعلين التربويين و شخصيات المجتمع المدني، إضافة إلى معارف و أصدقاء الكاتبة.و في ذات السياق، قمنا باستجواب الكاتبة حول أهمية هذا الإصدار و الدوافع التي جعلتها تغوص في موضوع التربية الدامجة. و في ما يلي نص جوابها :” التربية الدامجة أو ما يسمى بالتعليم الشامل مقاربة تربوية ترتكز على إحداث التغيير على مستوى المناهج الدراسية والممارسات الصفية وذلك بأن يكيف المدرس(ة) الأنشطة التعليمية وفقا لوتيرة التعلمات، أي وفقا لحاجات الأطفال في وضعية إعاقة وإمكاناتهم الخاصة. وفي هذا الإطار جاء هذا الكتاب ليستهدف الممارسات الصفية الدامجة لتراعي التفريق والتفريد، وتستجيب لخصوصيات الأطفال في وضعية إعاقة وتلبي حاجاتهم من التعلم، فبالرغم من الجهود المبذولة من طرف الوزارة الوصية في مجال تدريس الأطفال في وضعية إعاقة منذ 1998، إلا أنه يلاحظ نقص كبير في الجانب التأطيري للممارسات الإدارية والتربوية وذلك على مستوى:
– تكوين أطر التفتيش في مجال تأطير ومراقبة أقسام ومدرسي الأطفال في وضعية إعاقة، وتكليفهم رسميا.
– تكوين أطر الإدارة التربوية في مجال التأطير الإداري والتربوي لتلك الأقسام.
– التكوين الأساس والمستمر للمدرسين والمدرسات العاملين بها لأجل إرساء ممارسات صفية دامجة. إذا كان تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة يقتضي مقاربة تشاركية بين مختلف الفاعلين التربويين (مفتش / مدير / مدرس)، فإن عدة مظاهر من عدم التنسيق تم تسجيلها، مما حال دون إرساء تمدرس دامج ومنصف.
يفضي التقرير الذي أنجزه المجلس الأعلى للتعليم حول “مدرسة العدالة الاجتماعية: مساهمة في التفكير حول النموذج التنموي”(2018).. إلى أن السياسات العمومية التربوية بالمغرب لم تتمكن بعد من أن تشتمل كل أصناف الهشاشة وهو ما يجعل هذه السياسات بعيدة عن تحقيق هدف التربية الدامجة ويعرض المدرسة إلى أن تتحول هي ذاتها إلى آلة لتضخيم الفوارق، بحيث تجد صعوبة في إدماج الأطفال الذين هم في وضعية إعاقة رغم وجود إطار تشريعي مشجع. ونفس الشيء يؤكده تقرير الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي لدى المجلس حول تقييم نموذج تربية الأطفال في وضعية إعاقة، نحو تربية دامجة (2019) فبالرغم من إشارته إلى وجود جهود قطاعية للنهوض بتربية وتعليم الأشخاص في وضعية إعاقة فإنه يخلص إلى ملاحظات مفادها أن هؤلاء الأشخاص يشكلون الفئة الاجتماعية الأقل استفادة من الخدمة التربوية والتكوينية، والأكثر عرضة للإقصاء والتهميش والتمييز بسبب إعاقتهم. فهذا الكتاب يسعى إلى الكشف عن المعيقات التي تحول دون إرساء تربية دامجة ناجعة، مع اقتراح بعض الحلول لأجل تجويد الممارسات الصفية وجعلها تستجيب لخصوصيات هذه الفئة. فبالرغم من الدور الذي تلعبه الجمعيات المدنية تجاه هذه الفئة فإن أعمالها تبقى ناقصة لأنها لم تتجه نحو الممارسات الصفية الناجحة التي تعتمد على تكييف التعلمات التي تقتضيها التربية الدامجة من أجل تحقيق الإنصاف لهذه الفئة وضمان تكافؤ الفرص للارتقاء المعرفي والاندماج الاجتماعي. دفعني الاهتمام الشخصي بهذا الموضوع لما له من بالغ الأهمية في النهوض بمنظومة التربية والتكوين من حيث تجويد الفعل التربوي والارتقاء به انسجاما مع روح وفلسفة التربية التي تسعى إلى تجويد العملية التربوية بما يخدم الارتقاء بالفرد والمجتمع وتحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص بالنسبة لكل الأطفال على حد سواء. إن دمج الأطفال في وضعية إعاقة بمؤسساتنا التعليمية يعرف مشاكل جمة مما ينعكس سلبا على تيسير تعلمهم واندماجهم الاجتماعي مما يؤدي إلى عزلتهم وتمييزهم وتكريس الأحكام والتمثلات السلبية تجاههم، إضافة إلى غيابهم في الممارسات الصفية للمدرس(ة) في بناء التعلمات سواء الأساس أو الداعمة. إن الحديث عن كون كل طفل في وضعية إعاقة حالة متفردة تماما كباقي الأطفال الآخرين الذين يسري عليهم هذا مبدأ، يدفع إلى ممارسة بيداغوجية إيجابية تنظر إلى إمكانياته قبل الانتباه إلى قصوره ومواطن ضعفه، بحيث أن كل طفل مهما كانت إعاقته، يمتلك من القدرات والإمكانيات ما يسمح له بالترقي معرفيا والاندماج مجتمعيا إن مورست الوساطة من طرف المتدخلين والفاعلين التربويين بشكل هادف وناجح. بات من الضروري الوعي بأن لكل طفل في وضعية إعاقة من الإمكانات والقدرات ما يؤهله للارتقاء المعرفي والاندماج الاجتماعي، إذا ما تم مراعاة حالته وما تستوجبه من تكييف سواء بخصوص الزمن التعلمي، وإيقاعاته، وأنماط تعلمه… حسب درجة الإعاقة ونوعيتها والقصور الذي يميزها، وفق هندسة بيداغوجية خاصة تستجيب لكل حالة. اعتباراً لما ذكرت، فإن الممارسة البيداغوجية الدامجة تستلزم بداية تشخيص ورصد حاجيات التعلم، لكل طفل في وضعية إعاقة، وذلك من أجل الوقوف على درجة الاضطراب أو الإعاقة، مع ما يوازي ذلك من رصد للإمكانات والقدرات المتوفرة لديه، ومن تم ضبط مجالات التدخل التي يمكن أن يعتمدها المدرس(ة) ومختلف المتدخلين التربويين عند بناء وإعداد مخطط وهندسة التعلمات الخاصة (المشروع البيداغوجي الفردي). أيضاً، التوفيق بين ما تم رصده من خلال التشخيص من حاجيات والتوفيق بينها وبين الكفايات والأهداف التعلمية، باعتبار هذه الأخيرة مرجعية وفقا لها تحدد مستويات التحقق بالنسبة لكل طفل في وضعية إعاقة. وهنا يعمل المشروع البيداغوجي على ترجمة المستوى المأمول بلوغه من طرف الطفل في وضعية إعاقة انطلاقا مما يملك ومما لا يملك (مواطن قوته ومكامن قصوره)، إضافة إلى الربط بين التقويم والكفايات المسطرة في المشروع البيداغوجي الفردي، إذ ليس من الممكن ولا من المنطق تحديد أهداف معينة بناء على تشخيص لمدخلات طفل ومحاسبته في التقويم، خاصة الإجمالي، على مدى تحقق أهداف سطرت لغيره من المتعلمين. ضبط هذه الأمور يستوجب وجود أطر تربوية متخصصة وذات كفاءة ملائمة حسب نوعية الإعاقة، إضافة إلى اعتماد فضاءات تعليمية ملائمة لهذه الفئة وعدة ديدكتيكية وبيداغوجية غنية وشاملة (برامج وكتب مدرسية وطرائق ووسائل ودعامات وحوامل ديدكتيكية…..) وفي ظل انعدام كل هذا فإننا أمام رؤية دامجة غير واضحة لتحسين أوضاع الأطفال في وضعية إعاقة. “



اهنؤك استاذ حسن على صفحتك القيمة
وابارك للأستاذة حبيبة عبو منجزها المفيد والقيم
تحياتي والتقدير